فتعلم من هذا الفكر اليهودي القوميون الغلاة في
أوروبا وأهمهم: النازيون، لكن قبل أن نتكلم أو نتحدث عن هذا الفكر نرجع إلى أصل وجود فكرة القومية في
أوروبا ؛ فهي تسبق النازية، وتسبق التأثر الواضح بـ
اليهود ، وذلك أن القومية لم تكن معروفة في
أوروبا على الإطلاق، وإنما كان العالم فيما يسميه المؤرخون: القرون الوسطى؛ كله كان الأصل فيه هو الدين، وكان هو القاعدة في التعامل، وكان الإنسان أكثر وأعظم ما يسأل عن دينه، فهو إما مسلم، وإما نصراني، وإما يهودي، وإما مجوسي، أي: من أهل الملل.وأما العصبيات والعنصريات فلها اعتبار ثانٍ، وتأتي بعد الدين، والأصل هو الدين؛ سواءً كان ذلك في
أوروبا ، أو في الشرق، أو في أي مكان، وأول ما ظهرت الفكرة القومية ظهرت في شكل وطني؛ وذلك بظهور الثورة الفرنسية التي يزعم الغربيون أنها مفتاح الحرية، ومشرق النور، وفجر المساواة والعدالة والحضارة الحديثة، فعندما ظهرت الثورة الفرنسية لم يكن لها أي طابع ديني، وإنما كانت وطنية. وتقول: إن الناس جميعاً متساوون في الوطنية، فالجميع أبناء وطن واحد، فلا ينظر إلى أديانهم، ولا إلى عقائدهم ومللهم، وهذه الفكرة كانت جديدة على الناس؛ سواءً في بلاد الغرب، أو الشرق، فالناس إنما يتفاضلون بحسب الدين، وكل إنسان يرى أنه أفضل من غيره ديناً، ومهما كان المخالف له في الدين فإنه يحتقره، لكن هؤلاء المفكرون -كما يسمون- الذين وضعوا أفكار الثورة الفرنسية كانوا معادين للدين؛ لأسباب ولظروف خاصة لا وقت الآن لشرحها.فكانوا يأخذون من الفكر اليوناني القديم، ومن الأفكار التي ظهرت في
أوروبا ، ونمت وترعرعت شيئاً فشيئاً بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، وهذه نأتيها إن شاء الله عندما نتحدث عن النازية، فعندما كان هذا الفكر بعيداً عن الدين؛ جمعوا الأمة كما يزعمون على أساس وطني.فهناك دول الوطنية والقومية فيها شيء واحد، أي: لا فرق بين القومية والوطنية، وهناك دول أو مجتمعات القومية فيها أوسع وأعم من الوطنية، وأوضح مثال على ذلك: الدول العربية، فالدول العربية: الوطنية فيها أضيق من المفهوم القومي؛ فإن الوطنية المصرية شيء، والوطنية العراقية شيء آخر، وكذلك الوطنية السورية، أو الوطنية المغربية، فهذه كلها وطنيات، لكن يجمعها جميعاً قومية واحدة وهي: القومية العربية.وأما بعض الدول فقوميتها هي وطنيتها مثل:
ألمانيا ، ومثل:
اليابان ، فهم شعب يعيش على أرض واحدة، ويتكلم لغة واحدة، وفي مكان واحد، وله تاريخ واحد، فقوميته هي وطنيته، وكذلك الفرنسيون وخاصة عند ظهور هذه الثورة، فكل فرنسي فهو يعيش على أرض
فرنسا ، ويتكلم هذه اللغة، وله هذا التاريخ المشترك، فهو ينتمي إلى الوطن بهذا الحكم، فالوطنية هي القومية التي ينتمي إليها هذا الشعب.فقد ظهرت وترعرعت الوطنية هنا مختلطة ومندمجة مع القومية، فيمكن أن تعتبر الثورة الفرنسية ثورة وطنية، أو ثورة قومية، وكلاهما سواء، ثم نشأت بعد ذلك القوميات الأخرى في
أوروبا ، وارتبطت بالحروب الدينية.